اللقاء الفلسفي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول
مرحبا بكم في منتدى الفلسفة المحكمة
لكل استفساراتكم يمكنكم الاتصال بالبريد الالكتروني الخاص بالمنتدى: oranphilosophie@yahoo.fr
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
» نصر حامد أبو زيد
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالخميس فبراير 28, 2013 5:56 pm من طرف بن يمينة كريم محمد

» يوم دراسي حول الفلسفة و العلم (جدل الفلسفة و ثورة العلم)
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالسبت يناير 26, 2013 3:03 am من طرف بن يمينة كريم محمد

» الملتقى الوطني الثاني حول إشكالية التقويم و أساليبه في منظور التكوين الجامعي في ظل نظام LMD
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالأحد يناير 20, 2013 8:37 pm من طرف بن يمينة كريم محمد

» منتديات قسم العلوم الإجتماعية جامعة د.مولاي الطاهر -سعيدة- شعبة الفلسفة
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالخميس يناير 03, 2013 10:09 pm من طرف بن يمينة كريم محمد

» ملتقى الأدب الإصلاحي: الأفكار والأشياء 03/04 أبريل 2013 مخبر الحركة النقدية في كلية الآداب واللغات- قسم الأدب العربي: جامعة د. الطاهر مولاي: سعيدة – الجزائر
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالخميس يناير 03, 2013 10:05 pm من طرف بن يمينة كريم محمد

» الملتقى الدولي الثاني حول حوارات في الدين واللغة يومي 15 و 16 أفريل 2013
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالخميس يناير 03, 2013 10:02 pm من طرف بن يمينة كريم محمد

» ملتقى وطني حول المعالجة الآلية للغة العربية - واقع وآفاق - يومي 06/07 جمادى الأولى 1434 هـ الموافق 18/19 مارس 2013.
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالخميس يناير 03, 2013 10:00 pm من طرف بن يمينة كريم محمد

» جائزة عبد الحميد شومان للباحثين العرب الشبان
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالأحد أكتوبر 23, 2011 11:44 pm من طرف بن يمينة كريم محمد

» Colloque National :Les langues dans l’espace familial algérien
التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 27, 2011 7:11 pm من طرف بن يمينة كريم محمد

Like/Tweet/+1
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 21 بتاريخ الإثنين يونيو 08, 2020 10:32 am
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
بن يمينة كريم محمد - 74
التزام ابن خلدون العقلاني I_vote_rcapالتزام ابن خلدون العقلاني I_voting_barالتزام ابن خلدون العقلاني I_vote_lcap 

 

 التزام ابن خلدون العقلاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بن يمينة كريم محمد
Admin



عدد المساهمات : 74
تاريخ التسجيل : 08/08/2011
العمر : 56

التزام ابن خلدون العقلاني Empty
مُساهمةموضوع: التزام ابن خلدون العقلاني   التزام ابن خلدون العقلاني I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 19, 2011 1:08 am

التزام ابن خلدون العقلاني

الطاهر بن قيزة جامعة تونس

يعود الينا ابن خلدون كما عاد إلينا ابن رشد، بعد اعتناء مفكري الغرب به وتثمينهم لتاريخه ومنهجه وإبداعه لعلم العمران. هل في ذلك عيب؟ لا أعتقد. المهم أن نتفطن إلى وجوه الضوء والإضافة فيما قدّمه المفكرون العرب قديما وحديثا. والأهم أن ننظر فيما قدّمه هؤلاء المفكرون بعيدا عن المنهج المتداول في الأدبيات العربيّة والموغل في الإطراء أو القدح. فالنظرة العلميّة لا تستقيم إلا متى تجاوزنا منطق الذم أو المدح والتزمنا بروح النقد الذي لا يهب الأفكار قيمة إلا بقدر انصهارها في سياق علاقات أو شبكات معينة ومنهج محدد يجعلها تكتسي دلالة ومعنى. لذلك فالسياق أهم من الأقوال المرسلة والآراء الجريئة المنفصلة. فالريادة لا تكون حقيقيّة إلا بتوفر الشروط التاريخيّة والإيبستيميّة التي تكسي النظريّة طابع الجدّة الأصليّ

نعود اليوم إلى ابن خلدون بعدما تطوّرت الدراسات الخلدونيّة في العالم. واللافت للإنتباه أنّه على الرغم ممّا يبدو، فإنّنا لم نف ابن خلدون حقّه ولم نعره الإهتمام الذي يستحق. وليست قلّة الاهتمام صادرة عن أسباب عرضيّة وظرفيّة بل عن أسباب جوهريّة تتصل بطبيعة اهتمامات العرب التي بقيت إلى حد الآن لا تعير الفكر والعلوم -وبخاصة الإنسانيّة- أهيّمة تُذكر. فاهتمامنا بابن خلدون مساوق للمكانة التي يحضى بها الفكر عامة في العالم العربي[1]

يعيش الفكر اليوم زمن ترد يشبه كثيرا زمن التردي الذي كان ابن خلدون يعاينه في المشرق والمغرب. وشعور المفكر بالغربة وبقتامة الواقع الإجتماعيّ والسياسيّ يجعل الحديث عن وضع المفكر في المجتمع والدور الذي يمكن أن يلعبه فيه بليغ المعنى ووجيه الدلالة.

أبدأ بتبرير اختياري لهذا العنوان: “التزام ابن خلدون العقلانيّ”، الذي قد يبدوغريبا عن الفكر الخلدونيّ بل ومناقضا لروح نصه ولمضمون قوله ! فابن خلدون أشعريّ وهو لا يقر دائما بضرورة المنهج العقليّ، كما أنّه لا يبدو من صنف أولئك المفكرين الذين نطلق عليهم عبارة “مفكر الملتزم” أو مفكر “عضويّ”.

فكيف أجازف بالحديث عن إلتزام ابن خلدون العقلانيّ ؟ أليس في ذلك إسقاط من صنف الإسقاطات المعهودة التي تقول إن مفكرينا العرب قد أحاطوا بكل شيء علما وإنهم أبدعوا في كل مجالات المعرفة بحيث لا يُمثّل الفكر الغربيّ إلا ترديدا لأقوالهم أو تطويرا لمقاصدهم؟ ألا يؤدي بنا الحديث عن التزام ابن خلدون العقلانيّ إلى تصنيفه ضمن التيار الديكارتيّ أو الكانطيّ؟

أريد أن أجيب بسرعة على هذا النوع من الاعتراضات التي نجدها اليوم عند بعض المتفلسفين من العرب الذين يقولون إنّ تاريخ الفكر العربيّ مختلف عن تاريخ الفكر الغربيّ ومفاهيمنا ليست نفس المفاهيم التي طوّرها الفكر الغربيّ. لذلك فالأجدر بنا أن نبحث عن معنى أصيل للعقل يستند جذوره إلى تراثنا العريق، تأصيلاً لهويتنا وتأسيساً لثقافتنا. [2]

أبدأ بهذا القول حتى لا ننزلق في شتى أنواع الأقوال الأصوليّة التي تدّعي امكانيّة فهم انتاج الفكر العربيّ والإسلاميّ دون تبني ما أضافه الفكر الإنسانيّ، لا سيما في العالم الغربيّ، من أفكار ومناهج ومعارف وقيم. أبدأ بهذا القول أيضا حتى لا أتهم بأنّني أقوم بأسقاطات تُشوِّه النص وتخرجه عن سياقه العاديّ المعرفيّ التاريخيّ. فالحديث عن التزام ابن خلدون العقلانيّ قد يبدو من صنف هذا النوع من الأعمال.

وَردت عبارة إلتزام عقلانيّ L’engagement rationalisteفي مقال من مقالات قاستون باشلار المفكر الفرنسيّ والمختص في تاريخ العلوم.[3] إنني لا أقصد عند حديثي عن الإلتزام العقلاني عند ابن خلدون ما عناه باشلار والمرتبط بالتزام العلم الحديث تجديد المعرفة تجديدا روحيّا وتجريبيّا كاملا. وردت عبارة إلتزام كما يشير إلى ذلك R.ر. روشليرز Rochlirz في معجم المفاهيم الفلسفية في ظروف تاريخيّة وفكريّة دقيقة. يقول روشليرز : “إن مفهموم الإلتزام من المفاهيم التي ظهرت بعد الحرب العالميّة الثانية واتربطت بصورة خاصة بشخصيّة جون بول سارتر. ويعني الإلتزام هنا فكر أو فن أولئك الذين يفضلون المشاركة في الصراعات الاجتماعيّة على حياة الراحة والتَرَفِ التي يمكن أن يضمنها العمل الفكريّ إذا ما ساير التيار السائد، وتتمثل هذه المشاركة في الدفاع عن قيم مهددة بالاندثار”[4].

إنني لا اقصد عند حديثي عن التزام ابن خلدون العقلاني إنّه شبيه بسارتر في مواقفه اليساريّة المدافعة عن حقوق الطلبة والعمال. المعنى الذي أقصد مرتبط ببعض السِّمات التي تُؤهّل ابن خلدون أن يكون رمزا من رموز ثقافتنا، ليس بمعنى أنّه شخصيّة تراثيّة لا تفيدنا إلا من جهة قدرتها على تجاوز المصاعب والعقبات بل بمعنى أنّه مفكر صاحب موقف ورأي، وأنّه قرر أن يكون ذا إرادة فاعلة وفكر يتعالى على الواقع ويكشف آليَةَ فعله. إلتزام ابن خلدون العقلانيّ يعني أنّه يطرح مشاكل فكريّة تجعله معاصرا لنا وأنّنا، إن شئنا أن نتعلم منه، يكفينا التفطن إلى هذا البعد الهام في فكره، فندرك أنّه مبوّء بحق أن يكون مُعلِمنا وراءدنا.

إنّ ما أسميه إلتزاما عقلانيّا يتمثل في اختيار المفكر أخد قرار حاسم يُغيّر بموجبه مسار حياته بحيث يصبح هاجسه الأساسيّ مرتبطا بتصوّر المستقبل الذي يأمله. يكلّف المفكر نفسه بمُهمة (أو رسالة لا تقل أهميّة عن رسائل الرُسل والصالحين)[5] يتكفّل بتطويرها وتفسيرها وترويجها بحيث ينصهر عنده “الذاتي في الموضوعي والموضوعي في الذاتي” كما يقول المفكر محمد العابد الجابري. وقتها يصبح البحث عن معنى ما مميز للواقع، والقول بوجود معقوليّة ما وانتظام ما يُسيّره هو عين الموقف المُنجي من شعور الإغتراب الغامر الصادر عن قتامة الحاضر وبأس اليوميّ. لا يكون الإلتزام العقلانيّ حقيقيّا إلا حين يكون ردا على شعور المفكر بالغربة والعبثيّة وفقدان منطق التركيب الداخليّ ومنطق التناسق والتناغم.

موقف ابن خلدون عقلاني بالمعنى الحديث لهذا المفهوم فهو لا يرى في العقل ملكة لا حدود لها ولا ضوابط تسيرها. إنه على النقيض من ذلك وكما سيحدث ذلك مع ديكارت ولايبنتز وكانط، يربط العقليّ بمجال المنطقيّ وبما لا علاقة له بمسائل الغيب والتوحيد والآخرة. يقول: “” العقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنه لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع محال ومثال ذلك رجل رأى الميزان الذي يزن به الذهب فطمع أن يزن الجبال”[6].

نقرأ هذا النص، فنحسب أنه لكانط ناقدا العقل الخالص وعازما بيان حدوده وشرعيّة أحكامه وضرورة التزامه بما يبقى في مقام التجربة ومجال الحقائق القابلة للاختبار !

يمكن فهم ما نقصد من الالتزام العقلانيّ من خلال نقيض هذا الموقف، أي من خلال موقف المتفرج. تتمثل خاصيّة المتفرج في أنّه ينظر دون أن يرى، regarde sans voir Il

فهو ينظر دون أن يعتبر.

المتفرج جبان لأنّه لا يريد الاعتبار أو اعمال الرأي أو -بلغة الفلسفة- التعالي أو البحث عن القاعدة المفسّرة لما ينظر إليه. لذلك اعتبر العرب أن الرأي قبل شجاعة الشجعان. وإذا كان الرأي أوّل، فلأن في الرأي اعتبارا، ومعنى الالتزام مقرون به. المتفرج شكيّ لاأدريّ ينظر إلى اختلاف الأحواال والمواقف والأزمنة والآراء، فلا يستنتج منها غير كثرتها وتنوعها وتناقضها. لا يخرج المتفرج عن نطاق القول المتداول والشائع. إنّه يستنتج من تعدد الآراء رأيا يقر بلا صلاحيتها إجمالا، أو بالأحرى بلا تفاوتها، فيستوي عنه العالم بالجاهل، والظاهر بالباطن، والمركب بالبسيط والثمين بالرخيص والمعطى بالمبنى. شك المتفرج لاأدريّ، فهو يتظاهر بتطوير موقف حر نابع عن وعي بحيثيات الموقف، لكنه في الحقيقة يسعى سعيا حثيثا للانصهار مجددا ضمن تيار المتفرجين القانعين الخاضعين المتشائمين. يحولّ المتفرج كل ما يشاهد إلى مشهد درامي يحكمه منطق العبث.

غلبة مسحة التشائم عندنا اليوم ليست إذن بعيدة البتّة عن الموقف الشكيّ الذي يناهض الفكر وينتصر للسهولة والكسل والجبن. فهل كان ابن خلدون من هذا النوع من البشر ؟ متفرج شكيّ متشاءم أم إنّه مفكر عقلانيّ متفائل؟ ولكن قبل ذلك، كيف كان عصر ابن خلدون ؟

كان عصر ابن خلدون عصر أزمات مثل عصرنا فقد كان القرن الرابع عشر- الثامن هجري- قرن الكوارث والتراجعات :

- بدأ العد التنازلي لفقدان الأندلس بفعل فقدان الانسجام بين الأسر الحاكمة ودخولها طور المؤامرات ضد بعضها البعض
- تكاثرت هجمات الترتر في الشرق
- خلف الطاعون خرابا لا حد له
- وصاحب كل ذلك تراجع للفكر والعلم وارتداد نحو الخرافة والأسطورة[7].

يقر ابن خلدون أنّه يعيش فترة نكوص وانحطاط، وذلك ليس بالمغرب وحسب بل وكذلك بالمشرق. يقول: “وكأني بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب، لكن على نسبته ومقدار عمرانه، وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالاجابة والله وارث الأرض ومن عليها”[8].

ما عسى أن يكون موقف مفكر يعيش هذه الأحوال ؟

هل ينساب لليأس والقنوط ؟

هل يقتنع أن التقهقر لا مفر منه ولا مرد له، وأنّه من الأفضل أن يعتكف الإنسان على “الاعتناء بحديقته” كما كان يقول فولتير في تأكيده على عجز المرء الفعل في تبدل الاحوال وتغيرها؟

أليس من الافضل للمرء أن يقرّر كما صرّح بذلك ديكارت تغيّير ما بنفسه (أي إرادته)غوضا عن طموح تغيير نظام العالم؟ أليست هذه الوضعيّة الرديئة القاتمة هي عين وضعينا اليوم كأفراد احترفنا الفكر (على الأقل من جهة مشاركتنا في مثل هذه اللقاءات)؟ ماذا نفعل ونحن نعيش الغُبن أفرادا وشعوبا ؟ هل يدلنا ابن خلدون إلى مخرج لهذه الوضعيّة ؟ كيف رد ابن خلدون الفعل حيال واقع قاتم، وباختصار هل كان ابن خلدون متفرجا متشائما أم عقلانيا متفائلا؟

لقد كانت إجابة ابن خلدون على الاسئلة المحيرة التي كان يطرحها على نفسه إجابة متفائلة تخوّل أن نقول بموجبها إن صاحبنا مفكر عقلانيّ ملتزم. يقول ابن خلدون في نفس النص الذي يستند إليه الباجثون المؤكون على تشاؤمه، عبارة تدل أن موقفه الفصل ليسَ التشاؤم بل التفائل :” وإذا تبدّلت الأحوال جملة، فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق من جديد، نشأة مستأنفة، وعالم محدث”. [9]

لنقف برهة عند دلالة هذه الجملة. ما الذي يميّزها ؟ هل أنّها من صنف الإجابات المرسلة الجاهزة المتلوّنة بتلوّن الوضع وتغيّر الحال ؟

ليست إجابة ابن خلدون اجابة متشائم فرّ بجلده كما يقال عنه، لم تكن إجابته إجابة يائس من امكانية الفوز بحل لتردي الحال وانحطاط الاحوال. أفلا يكون تبدل الأحوال خلقا جديدا ؟

يمثل هذا الرأي تعبيرا بليغا عن التفاؤل لأنه يتحول من جهد النظر في الظواهر إلى مجهود البحث عن القاعدة المنظمة لها. مفاد ذلك أنّ ابن خلدون قد فهم أن وضع التردي في حاجة إلى موقف متعال يفسره ويُحكّمه إلى قاعدة. على الفيلسوف أن يتعالى على الواقع ويتخلى عن موقف المتفرج لينطلق في تطوير موقف فاعل من خلال تحويل الذاتي إلى موضوعي، أي تحويل تجربته السياسية إلى ظاهرة تندرج في سياق عصر بحيث يكون فعل الفرد جزءا من فعل الكل. يقول ابن خلدون : “فاحتاج لهذا العهد من يدوّن أحوال الخليقة والآفاق وأجيالها والعوائد والنحل التي تبدلت لأهلها ويقفو أثر المسعودي لعصره ليكون أصلا يقتدي به من يأتي من المؤرخين”[10].

قرر ابن خلدون إذن حيال وضع ترد وفوضى عارمة أن يقوم بدور المؤرخ الباحث عن القاعدة المسيّرة لأحداث التاريخ. أدى به هذا القرار إلى الاعتكاف في قلعة بني سلامة لكتابة المقدمة[11]. إنّ في ذلك موقفا فلسفيّا ملتزما لا بد من تثمينه. فقرار الإعتكاف للكتابة حدث أساسيّ في حياة كل مفكر. فلا شيء يمكن أن يعارض تشضى الواقع وانفلات النظام أكثر من الكتابة.

اعتكف ابن خلدون لأنه كان يرغب في فهم ما يجري من حوله بارجاعه إلى احداثيات الزمان والمكان، أو ما نسميه بالإطار التاريخي. لذلك لم يكن ابن خلدون مؤرخا كغريه من المؤرخين الذين سبقوه اذ لم يكن التاريخ غاية عنده بل وسيلة لبلوغ مقاصد أرقى. فقد عاين ابن خلدون ما نال التاريخ من جمود على يدي المؤرخين الذين سبقوه مثل ابن اسحاق والطبيري وابن الكلبي والواقدي والمسعودي وهم من اصحاب التواريخ العامة (مقدمة ج1 352) وابوحيان والرقيق وهم من اصحاب التواريخ المقيدة بقطر أو عصر. لذلك فقد دفعه انشغاله بالمنهجية التاريخية إلى اختيار الموقف الاختباري الذي يستند إلى أساس تجريبي وعقلي. كيف ذلك ؟

إنّ خاصية العقلانيّة الأساسيّة استنادها إلى مجموعة من المبادئ والقواعد والتزامها بمقتضيات المنطق وباستتباعاته العمليّّة. الإيمان بالعقل هو كذلك ايمان بقدرة الخطاب وخاصة منه الخطاب العلميّ على تجاوز حالة التدهور الانحطاط[12]. لذلك كانت العقلانيّة متفائلة، وهي كذلك لأن التفائل يمثل مقتضًا من مقتضيات البحث العلمي والبناء العقلانيّ للعالم، والعقلانيّة متفائلة لأنّها تؤمن بالحوار، لأن الحوار يقلِّص من اختلاط معايير التمييز، والمحاور على نقيض المتفرج، يضع تفاضلا بين الظاهرة وقاعدتها وبين من يشاهد دون أن يصبح شاهدا ومن ينظر فيرى ويعتبر. وهكذا فإن التمييز الخلدوني بين ظاهر التاريخ الذي” لا يزيد على اخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأول، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال” وباطنه بما هو ” نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقاءع وأسبابها عميق”[13] إنما يهدف إلى البحث عن الفرق بين الظاهرة والقاعدة التي تؤسسها أو قل إنما هو كما سماه أستاذنا محجوب بن ميلاد سعي لوضع “نظرة شاملة” تخول “من البصر بحقائق الأمور”[14]. يتجاوز الأمر عنده إذن مرتبة النقل ليرتقي إلى مرتبة الإعتبار والإستنطاق.

لذلك لم يكن ابن خلدون متفرجا متشائما، بل هو صاحب ” نظرة شاملة” وصاحب موقف ورأي ينقلب الخاضر عنده إلى مشكلة، والوعي بالحاضر إلى وعي بالتاريخ. يلحظ الناظر في تاريخ ابن خلدون منذ الوهلة الأولى أن التاريخ ليس عنده مسألة توثيق وترتيب ولا هو وسيلة مدح وإطراء للأمراء والحاكمين كما عهدنا ذلك عند سائر المؤرخين في ذلك العصر. ففي حين كان اهتمام السابقين لابن خلدون بالتاريخ يعود لأسباب دينية أو أخلاقيّة أو سياسيّة، مما يجعل عملهم التاريخيّ خاضعا لأسباب خارجة عن التاريخ ذاته، كان ولع ابن خلدون بالتاريخ مهوسا بمطلب معرفيّ يريد أن يعثر على التفسير العقلانيّ لما يعرض من أحداث ووقائع.

وإذا كان العقل عند ابن خلدون “دعامة كل الاشياء وأفضل ما رزق الله الإنسان” [15] فمن مقتضياته الإيمان بالضرورة والإنتظام الممثلين لأساس ما نسميه اليوم بالقوانين. لذلك يبدو أن ما ذهب إلية عبد الواحد وافي في تحقيقه للمقدمة يجانب كثيرا الصواب حين اعتبر أن ما يسميه ابن خلدون في حديثه عن التاريخ “العوارض الذاتية” أو ” ما يلحق المجتمع من عوارض لذاته” هو ما نسميه اليوم “بالقوانين”. يدعم عبد الواحد وافي رأيه بإحالته لهذا النص لابن خلدون:” وهذا العلم هو النظر في المقادير، أما المتصلة كالخطوط والسطح والجسم. وأما المنفصلة كالأعداد وفيما يعرض لها من العوارض الذاتية مثل أن كل مثلث فرواياه مثل قائمتين، ومثل أن خطين متوازيين لا يلتقيان في وجه واو خرجا إلى غير نهاية ومقل أن كل خطين متقاطعين فالزاريتان المتقابلتان منهما متساويتان” [16]

ومع ذلك، يبدو من الضروري أن نميّز بين ما يمثل أساس القوانين والقوانين بالمعنى العلميّ للكلمة. وهي لم تظهر -كما هو معروف- إلا بظهور العقليّة الميكانيكيّة التي درجت في القرن السابع عشر والتي مثلت القاعدة الايبستيمولوجيّة التي خوّلت للفيزياء النيوطونّية تقديم نموذج ارشاديّ جديد عوّض التفسير الغائيّ الطاغي في الذهنيّة الوسيطيّة -وعند ابن خلدون بالذات- بالتفسير الميكانيكي الآلي الذي مهد لظهور العلوم الإنسانية في القرن التاسع عشر. لا يقلل هذا القول بالطبع ما لوجاهة وطرافة الإضافة الخلدونية، فلا تعارض حسب رأينا بين الإنتظام والقانونية الصارمة. وقد كان شعور ابن خلدون بأنه قد عثر على “علم مستحدث” شعور شرعي ليس حصيلة تراكمات وهمية وتصورات خرافية.

واجمالا، يظهر التوجه العقلانيّ المتفائل عند ابن خلدون ليس فقط -من الناحية الصوريّة- في إقدامة على العزلة لكتابة المقدمة بل كذلك -من الناحية العمليّة- في إدراكه أهميّة التربية سبيلا لتصور مخرج لحالة الانحطاط التي كانت تسود عصره. وقد أفرد في المقدمة بابا كاملا-الباب السادس- كباكورة تأملاته وحصيلة موقفه من سبل النهوض بالعمران البشريّ.


[1] توجد مع ذلك دراسات ممتازة عن ابن خلدون نعتقد أن أهمها:
ساطع الحصري: دراسات عن مقدمة ابن خلدون دار المعارف بمصر 1935.
على الوردي : منطق ابن خلدون، الشركة التونسية للتوزيع تونس 1977.
ناصيف نصار: الفكر الواقعي عند ابن خلدون
[2] قد يظن البعض أنّ مثل هذا التصوّر الذي يُغيِّب في تقديره لتاريخ الفكر أهمّ أعلامه، دارج فقط عند العامّة الجاهلين حقيقة الخطاب الفلسفيّ وتاريخه العريق، غير أنّ الحقيقة غير ذلك. فطه عبد الرحمان، وهو يٌمثِّل مرجعا أساسيّا لبعض المتفلسفين اليوم، يرى أنّه من الممكن، بل من المحبذ كتابة الفلسفة بالعودة إلى تراثنا العربيّ الإسلاميّ فقط! انظر: العمل الدينيّ وتجديد العقل، المركز الثقافي العربيّ، الطبعة الثانية، 1997.
[3] Gaston Bachelard : L’engagement rationaliste, P.U.F., Paris, 1972.
[4] Encyclopédie philosophie universelle, Dictionnaire Les notions philosophiques, T. I, 1990, p. 788.
[5] لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى العلاقة الوطيدة التي تجمع الفلسفة بالنبوة وهي مسألة طرحت منذ ابن سينا والفرابي ولا تزال تطرح اليوم عند حديثنا عن مهمة الفيلسوف الذي -على نقيض النبي المكلف برسالة إلهيّة- يتكفل بإبلاغ رسالة بشريّة تتمثل في دفاعه عن القيم التي يرى أنها ضروريّة لكل حياة اجتماعية. انظر : أراء أهل المدينة الفاضلة.
[6] المقدمة، 460
[7] المقدمة ج 1, ص 405. “وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة، فقد انقلبت أحوال المغرب الذي شاهدوه وتبدلت بالجملة… هذا إلى ما نزل بالعمران شرقا وغربا في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجازف الذي يخيف الأمم ويذهب بأهل الجيل، وطوى كثيرا من محاسن العمران ومحاها، وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها… وانتقص عمران الأرض باتقاص البشر، فخربت الأمصار والمصانع، ودرست السبل والمعالم، وخلت الديار والمنازل…”
[8] المقدمة، 460
[9] المقدمة ج 1, ص 406.
[10] نفس المرجع
[11] المقدمة : ” وأنزلوني بأهلي في قلعة بني سلامة…. وأقمت بها أربعة أعوام، متخليا عن الشواغل كلها, وشرعت في تأليف هذا الكتاب، وأنا مقيم بها، وأكملت المقدمة منه على ذلك النحو الغريب، الذي اهتديت إليه في تلك الخلوة, فسألت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر، حتى امتخضت وبدتها وتألفت نتائجها. وكانت من بعد ذلك الفيءة إلى تونس كما نذكره”
[12] يؤكد جورج لابيكا على عقلانية ابن خلدون التي تظهر عند تناوله مسألة “الدين والعمران” (عنوان الفصل الثاني) فيقول: ” وهكذا يتكشف النص عن منطق داخلي يحركه على الرغم من التكرار والبطء والسذاجة التي تثقله(…) وتشهد الجمل الاعتراضية ان ابن خلدون لم يتراجع في شيء عن جهد الفهم العقلاني الذي يمتاز به، فالشك في تفسيرات المنجمين للنبوة لا يسمح بالاستنتاج ان لا علاقة اطلاقا بين الكهانة والنبوة “
Georges Labica, Ibn Khaldoun: naissance de l'Histoire, passé du Tiers-Monde.
Paris, La Découverte, 1981
[13] المقدمة ج 1، ص 351.
[14] د. محجوب بن ميلاد: في تاريخ الفكر الإسلامي ، ورد في ابن خلدون والفكر العربي المعاصر، الدار العربية للكتاب، 1980، ص 251
[15] المقدمة ص 17
[16] المقدمة ج 1 ، ص 241 242

الرابط الالكتروني الأصلي = http://taharbenguiza.unblog.fr/tag/philosophie-en-tunisie/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oranphilosophie.forumalgerie.net
 
التزام ابن خلدون العقلاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جامعة ابن خلدون تيارت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اللقاء الفلسفي :: الأروقة الفلسفية :: نصوص منتقاة-
انتقل الى: